عُرف بوجهه المشوه ورأسه المحلوق وأسنانه الملطخة بالتبغ وفمه القذر على نطاق واسع منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
يفغيني بريغوجين هو رجل أعمال روسي مثير للجدل، يعتبر من أقرب حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يشتهر يفغيني بريغوجين بإدارة شركة كونكورد، التي تزود الكرملين والجيش والمدارس بالطعام، وبتمويل شركة فاغنر، التي تعتبر أكبر شركة عسكرية خاصة في روسيا.
اتهم بريغوجين بالتورط في عدة نزاعات وصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، وبالتدخل في الانتخابات الأمريكية.
في عام 2023، قاد بريغوجين تمرداً عسكرياً ضد القيادة الروسية في أوكرانيا، مما أثار غضب بوتين وأجبره على مغادرة روسيا. لكن كيف بدأت حكاية بريغوجين، وما هي خلفيته وطموحاته؟
حياة يفغيني بريغوجين المبكرة
ولد يفغيني بريغوجين في 1 يونيو 1961 في سانت بطرسبرغ (التي كانت تسمى لينينغراد آنذاك)، في أسرة متواضعة. كان والده يهودياً يعمل في مصنع، وكانت والدته الروسية تعمل كاتبة.
درس يفغيني بريغوجين في معهد للصحافة، لكنه لم يكمل دراسته. اختار مساراً مختلفاً في الحياة، حيث انخرط في عالم الجرائم الصغيرة. وفي عام 1978، أدين بالسجن لمدة عام ونصف بتهمة السرقة. وفي عام 1981، أدين مجدداً بالسجن لمدة 12 عاماً بتهمة السطو المسلح والاحتيال. وقضى تسع سنوات خلف القضبان، حتى أطلق سراحه مبكراً في عام 1990.
نشأة إمبراطورية أعماله
بعد خروجه من السجن، استفاد يفغيني بريغوجين من فترة التحول الاقتصادي التي شهدتها روسيا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، وأسس سلسلة من الأكشاك لبيع النقانق في سانت بطرسبرغ، وحقق نجاحاً باهراً. في غضون سنوات قليلة، تحول من تاجر نقانق إلى صاحب مطاعم فخمة.
كان أشهر مطعم له هو نيو آيلاند، الذي كان عبارة عن سفينة تبحر في نهر نيفا. أصبح هذا المطعم مكاناً مفضلاً للنخبة السياسية والاقتصادية في المدينة، ومن بينهم فلاديمير بوتين، الذي كان حينها نائباً لعمدة سانت بطرسبرغ.
بدأت علاقة وثيقة بين يفغيني بريغوجين وبوتين، حيث كان الأول يخدم الثاني شخصياً في المأدبات التي كان يستضيفها للزعماء الأجانب.
وعندما أصبح بوتين رئيساً لروسيا في عام 2000، زادت ثروة ونفوذ يفغيني بريغوجين. وحصلت شركته كونكورد على عقود حكومية لتزويد الكرملين والجيش والمدارس بالطعام، كما توسعت أعماله في مجالات أخرى، مثل الإعلام والإنترنت والطاقة.
وقد استخدم يفغيني بريغوجين علاقته مع بوتين لتطوير مشاريع تقديم الطعام للجيش الروسي وفاز بعقود حكومية روسية مربحة أكسبته لقب "طباخ بوتين".
تحوله إلى قائد عسكري
في عام 2014، اندلع الصراع في أوكرانيا، حيث قامت روسيا باستيلائها على شبه جزيرة القرم، ودعمت الانفصاليين الموالين لها في شرق البلاد. في هذا السياق، ظهر دور جديد لبريغوجين، وهو دور قائد عسكري. وبحسب التقارير، كان يفغيني بريغوجين يقف وراء شركة فاغنر، التي تعتبر أكبر شركة عسكرية خاصة في روسيا.
وتشير المصادر إلى أن شركة فاغنر التي تأسست عام 2014 بحسب بريغوجين، تضم مئات المقاتلين المحترفين، الذين يتلقون تدريبات وأسلحة من الجيش الروسي، وتشارك شركة فاغنر في عدة نزاعات وصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، بما يخدم مصالح روسيا.
ومن بين أبرز المهام التي نفذتها شركة فاغنر هو دعم نظام بشار الأسد في سورية، وحماية المصالح الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى، والتدخل في ليبيا لصالح خليفة حفتر.
تمرد يفغيني بريغوجين ضد بوتين
في عام 2022، اشتعل الصراع مجدداً في أوكرانيا، حيث قامت روسيا بغزو جزء من أراضيها، وشاركت شركة فاغنر في هذه الحملة العسكرية، وقادت هجمات على مواقع القوات الأوكرانية. لكن سرعان ما بدأ يفغيني بريغوجين يظهر علامات التذمر.
واكتسب يفغيني بريغوجين الكثير من التقدير بعد أن لعب دوراً أكثر وضوحاً في الحرب في أوكرانيا، حيث قاتل مرتزقته نيابة عن موسكو بعد أن عانت قوات الجيش الروسي النظامي من استنزاف شديد وفقدت الأراضي التي استولت عليها.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن يفغيني بريغوجين أصبح خامس أكثر الشخصيات الروسية شهرة بعد بوتين ورئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين ووزير الخارجية سيرجي لافروف ووزير الدفاع سيرجي شويجو.
لقد اكتسب يفغيني بريغوجين مكانة سياسية بين الروس المحافظين الذين يعجبون بالزعيم السوفييتي جوزيف ستالين ويريدون الفوز في الحرب في أوكرانيا مهما كلف الأمر. وقال بريغوجين: "كان الرفيق ستالين على حق تماما"، حيث فرض عقوبة الإعدام على الجنود والمسؤولين الذين "يفشلون" في دعم المجهود الحربي المتعثر.
وقال أيضًا إنه بعد فقدان عشرات الآلاف من المرتزقة في شرق أوكرانيا، سيتعين على قوة فاغنر تجنيد المزيد من الأشخاص و"التحول إلى جيش ذو أيديولوجية".
يفغيني بريغوجين ضد وزارة الدفاع الروسية
وبلغ العداء مع وزارة الدفاع الروسية مستويات جديدة في يونيو2023، عندما قاد يفغيني بريغوجين محاولة انقلاب عسكري بعد اتهام وزارة الدفاع بقتل عناصره.
واستولى مرتزقة مجموعة فاغنر على المنشآت العسكرية في مدينتي فورونيج وروستوف.
وزعم يفغيني بريغوجين أن مقاتليه انتقلوا من أوكرانيا إلى مدينة روستوف الروسية الحدودية، وأنهم سيقاتلون أي شخص يحاول إيقافهم.
بالإضافة إلى ذلك، شكك في الرواية الرسمية للكرملين حول سبب غزو روسيا لأوكرانيا.
وقال يفغيني بريغوجين في مقطع فيديو نشره على تطبيق تيليغرام: "تحاول وزارة الدفاع والرئيس خداع المجتمع وإخبارنا بقصة عن كيفية حدوث عدوان مجنون من أوكرانيا وأنهم خططوا لمهاجمتنا مع كل أعضاء الناتو".
بوتين يتهم "فاغنر" بالخيانة
وفي خطاب متلفز طارئ، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تمرد فاغنر يرقى إلى مستوى الخيانة، وأن أي شخص يحمل السلاح ضد الجيش الروسي سيعاقب.
جاء ذلك، بعد أن اتهم يفغيني بريغوجين وزير الدفاع شويغو بإصدار الأمر بشن هجوم صاروخي على معسكرات فاغنر في أوكرانيا، و"مقتل عدد كبير من المقاتلين"، بحسب قوله.
وانسحبت قوات مجموعة فاغنر التي وصلت إلى مشارف موسكو أخيراً، بعد أن صرح الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، حليف بوتين، بأنه توصل إلى اتفاقات مع يفغيني بريغوجين بشأن هدنة وأن بريغوجين وافق على وقف حركة مقاتلي فاغنر في جميع أنحاء روسيا.
واعترف يفغيني بريغوجين بتشكيل قوة فاغنر عام 2014، وقال إن لديه 50 ألف رجل تحت تصرفه "في أحسن الأوقات"، مع حوالي 35 ألف رجل في المقدمة في جميع الأوقات.
ولم يذكر ما إذا كانت هذه الأعداد تشمل السجناء، لكن من المعروف أنه قام بجولة في السجون الروسية لتجنيد مقاتلين، ووعدهم بالعفو إذا نجوا من ستة أشهر من الخدمة على الخطوط الأمامية مع القوات.
وتُعرف قوة فاغنر، المعروفة باسم "ميليشيا عسكرية خاصة"، بأنها قوة "رديفة" من قبل المسؤولين الأمريكيين، بينما يصفها آخرون بأنها قوة مرتزقة.
وتأسست "فاغنر" عام 2014، ويقودها كما ذُكر يفغيني بريغوجين، الذي اشتهر بلقب "طباخ بوتين"، ويعتبر من أقرب الأشخاص إلى الزعيم الروسي.
وقُتل يفغيني بريغوجين، قائد قوة فاغنر البالغ من العمر 62 عاماً، الأربعاء 23 أغسطس 2023 بصاروخ مضاد للطائرات أطلقته أنظمة الدفاع الجوي الروسية على طائرة خاصة كان على متنها، في طريقه من موسكو إلى سان بطرسبرج.