ليس جديداً على نسائنا الفلسطينيات تحدي الأوضاع الاقتصادية الصعبة ومحاولة الخروج من إناء الحصار الذي فرضه الاحتلال منذ أكثر من 15 عاماً، ولكن العزيمة والإرادة كانت أكبر حافز لبائعة العسل الأولى في مدينة غزة.
وعند دخولك الى "الكابيتال مول" أحد أشهر المولات التجارية في حي الرمال في مدينة غزة، ترى زاوية تخطف الأنظار بألوانها البهية المستوحاة من لون العسل، تعود للسيدة الفلسطينية ميسر خضير، والتي تُكنى بـ"أم قيس"، اللاجئة من مدينة يافا المحتلة.
من أين أتت الفكرة؟
تقف السيدة خضير بشموخ خلف أوعية مليئة بأنواع مختلفة من العسل، فيرتاد زاويتها العديد من الناس، يتذوقوا العسل ويصغوا الى نصائحها عن خصائصه وفوائد كل نوع ووصفات الأعشاب الممزوجة به، حيث يستمتعون بمعرفة أنواع العسل التي لم يسمعوا عنها من قبل.
وراودت خضير فكرة هذا المشروع الريادي كأول سيدة تبيع العسل، من زياراتها المتعددة للمملكة العربية السعودية، حيث كانت تذهب هناك لأسباب دينية كتأديتها مناسك العمرة وأسباب تعليمية لتنضم الى تدريبات تختص بالأعشاب والطب البديل والأعسال، وأبت إلا أن تنقل هذه الثقافة الى أبناء شعبها.
وتروي خضير لوكالة عاجل فلسطين: أن "العسل يكاد لا يخلو من كل بيت سعودي، رأيتُ اهتمامهم به، وحضوره على كل سفرة طعام". حيث بمقاربة الثقافات بيننا وبينهم، فإن مكانة العسل لديهم توازي مكانة زيت الزيتون لدينا.
وتضيف "قبل أن أباشر بفتح هذه الزاوية خضتُ تدريبات تعليمية مخصصة بالعسل والأعشاب والطب البديل وتثقفت جيداً فيما يخص العسل وأنواعه وخصائص وفوائد كل نوع، عن طريق الإنترنت أو بالسفر للسعودية".
لم تكن الصدفة في طريق أم قيس هي بداية مشروعها، بل كان لديها حب الاطلاع على مناحل العسل وتركيبة الخلية وطريقة التغذية وأماكن التربية الصحيحة، وتستطيع أن تُميز بين الأعسال الجيدة والأعسال المختلطة.
وتحدثت أم قيس "أن العامل الذي شجعني لهذا المشروع حبي وشغفي للعسل وامتلاك زوجي مناحل لإنتاج العسل، فكان لابد من الوقوف بجانبه في ظل الوضع الاقتصادي الصعب".
تحديات تفوقت عليها
كعادة أي مشروع يُفتح في غزة تقف التحديات المختلفة أمامه، حيث واجهت أم قيس ثقافة ونظرة مجتمع بكامله، أن تكون أول بائعة عسل، التي اعتادوا أن تكون مهنة يقومون عليها رجال.
وتفوقت عليها بسلاحها الأول عزيمتها وارادتها في المواجهة لبيع العسل وتثقيف الناس بفوائده وتعريفهم على الأعسال المستوردة والمختلفة بخصائصها وفوائدها واستخداماتها، والثاني كان دعم زوجها وعائلتها في تقديم المساعدة المالية لإنشاء وتطوير المشروع الى أن وصلت لهذا المكان.
ومن جانب أخر كانت ثقة الناس ببائع العسل متدنية، فأبت أن تكون بائعة عبر الانترنت، فتغلبت على ذلك بكسب ثقتهم بثقافتها العالية حول العسل وخصائصه واستخداماته بوصفات تدخل بها أعشاب طبية.
وتروي خضير "لازلتُ أواجه صعوبة بإدخال العسل للقطاع، لأنه يعد مشروع ريادي صغير، ولم أحصل على أي تمويل خارجي يساعد في استيراد العسل بكميات كبيرة، حيث يدخل العسل إلى قطاع غزة حتى الآن بكميات قليلة من خلال معتمرين أو أقارب".
ومن ناحية الرقابة تحدثت "ذهبتُ مع زوجي وأعطينا مختبرات الجامعة الاسلامية عينة من العسل الذي تم إدخاله للمشروع، وأتت الينا وزارة الصحة وأخذت عينة أيضاً، وحصلنا على شهادة تفيد أن العسل مطابقا للمواصفات العالمية".
الأعسال المستوردة
وعددت خضير أنواع العسل الذي تبيعه في زاويتها من البلدي والمستورد وسردت فوائد كل نوع منهم كـ "عسل السدر الجبلي اليمني، عسل السمر، عسل الكشميري، عسل حبة البركة، عسل الحنون، عسل الينسون، عسل السدر الدُّعني، عسل الكراوية، العسل الأبيض الروسي، عسل الكينيا والحمضيات البلدي".
لا شك أن العسل مفيد جداً للجسم فهو مذكور في القرآن الكريم: "يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاس" {النحل:69}.
وعن فوائد الأعسال تحدثت: "جميع أنواع العسل تعتبر مفيدة للجسم ومقوية للدم ومقوية للفيتامينات والمناعة، ومغذي بشكل عام، فعسل السدر اليمني يمتاز بالقيمة الغذائية العالية، ومضاد للأكسدة والالتهابات ومسكن وخافض للحرارة، بينما عسل السدر الدُّعني يمتاز بسرعة امتصاص الجسم له حيث يُنصح به للأطفال والكبار".
وتضيف أن "عسل السمر يعتبر من أبطأ الأعسال تبلوراً حيث يحتفظ بقيمته الغذائية لفترة طويلة جداً، بينما عسل حبة البركة يمتاز بجودته العالية وقيمته الغذائية ويستخدم لعلاج مشاكل الجهاز الهضمي والتنفسي والتناسلي والبولي، ومشاكل الفم والأسنان والعظام والأعصاب، ومشاكل القلب والشرايين، ويُنصح به لمرضى السكري بكميات بسيطة جداً"
وتشرح أيضاً أن "عسل الحنون يستخدم لمرضى السكري لعدم تجاوز نسبة السكروز فيه 2%، بينما عسل الينسون والكراوية يعتبر من الأعسال المهدئة للجهاز الهضمي والتنفسي والقولون، أما العسل الأبيض الروسي فإنه يستخدم لحالات ارتجاع المريء، إضافة إلى أنه مُحبب للأطفال بسبب قوامه الكريمي، ولونه الأبيض".
و تختم السيدة ميسر خضير، حول العسل البلدي المُسمى في قطاع غزة بعسل الحمضيات والكينيا، فإنها تشجعه مالم يتم التلاعب به، لأنه يمتاز بطعمه اللذيذ، وفي بعض الأحيان يميل للحموضة إذا كانت المناحل تقع بين أشجار الليمون، أما عسل الكينيا فيمتاز برائحته الجذابة وجودته العالية إلا أنه لا يتوفر بكميات وفيرة مثل عسل الحمضيات.
إعداد: روان الخطيب